محمد مكرم بلعاوي
المدير العام لرابطة برلمانيون لأجل القدس
في 8 يونيو الماضي، فُجع فلسطينيو الداخل المحتل عام 1948، بجريمة مروعة في الناصرة راح ضحيّتها خمسة مواطنين بينهم أطفال، وهي ليست الجريمة الأولى التي تنفذها عصابات الاجرام المنظمة التي تتبع عائلات معروفة بل تكاد تحدث مثل هذه الجرائم بشكل يومي في المجتمع الفلسطيني بالداخل، وهو ما يطرح تساؤلات عن أسباب ارتفاع معدلات الجريمة والمستفيد من ورائها.
وبلغت جرائم القتل خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، حسب ما رصده مركز معلومات فلسطين "معطى"، 25 جريمة قتل، منها سيدتان وطفل واحد، لتصل حصيلة ضحايا الجريمة في المجتمع العربي بالداخل المحتل منذ بداية عام 2023 إلى 97 ضحية، بينهم 11 امرأة و 10 أطفال، وهو ما يفوق بأضعاف كثيرة مستويات الجريمة في الأردن والضفة الغربية وقطاع غزة مجتمعة، مع فارق عدد السكان.
يرافق ارتفاع معدلات الجريمة تواطؤ من قبل شرطة الاحتلال الإسرائيلي التي تفرج عن المتهمين بتلك الجرائم بعد توقيفهم بزعم وجود توجيهات بالإفراج عنهم من قيادات حكومة الاحتلال وعدم تعاون الفلسطينيين معهم، وهو غير صحيح، والحقيقة أن دولة الاحتلال معنية بارتفاع الجريمة وتعمل على تغذيتها وتمويلها، ففي الوقت الذي يُحرم على الفلسطيني السلاح تجد هذه العصابات التسليح والتمويل، وفي الوقت الذي يستطيع الاحتلال إيجاد منفذ العملية الفدائية خلال ساعات قليلة، كيف يعقل أن لا يستطيع معرفة مرتكبي هذه الجرائم، مع العلم أن السلاح المستخدَم في هذه الجرائم مصدره مخازن جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي يمكن تتبّعه ومعرفة أماكن وجوده.
بالإضافة إلى أن المراقب العام لجهاز الشرطة، يعقوب شبتاي، كشف في جلسة تقييم عقدتها قيادة الشرطة في يونيو/حزيران 2021، لفحص مدى خطورة انتشار السلاح في أوساط الفلسطينيين في إسرائيل، خشية انتقال هذه الأسلحة إلى منظّمات المقاومة، حيث أقرّ في الجلسة التي نقلت القناة 12 العبرية بأن معظم المسؤولين عن الجرائم هم من العملاء المتعاونين مع جهاز الشاباك، وأن أيدي الشرطة مكبّلة في التعامل مع هؤلاء، لأنهم يتمتعون بنوعٍ من الحصانة.
يضع هذا الواقع فلسطيني الداخل بين ثلاثة خيارات تريدها دولة الاحتلال، الأول تشكيل مجموعات فلسطينية تحمل السلاح لمواجهة جماعات الجريمة المنظمة وهو ما سيدفع للاقتتال الداخلي بين المجتمع الفلسطيني، والخيار الثاني دفع الفلسطينيين للمطالبة بتدخل جهاز الأمن العام "الشاباك" للإشراف على التحقيق في جرائم القتل وهو ما سيجعل الفلسطيني بالداخل في وضع مشابه للفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، فالفلسطيني الذي يعتبر مواطنًا بإسرائيل سينزع عن نفسه صفة المواطنة بتسليم نفسه للشاباك وسيجعل تفاصيل حياته معرضة للتدخل من قبل الشاباك، وهو خيار أعلن عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في شهر يونيو خلال الاجتماع الأسبوعي لحكومته، حيث قال "أنا مُصر على الاستعانة بالشاباك على الفور".
وكشف عضو الكنيست، ألموغ كوهين، أن السلطات الأمنية الإسرائيلية تتغاضى عن جرائم حيازة وتوزيع المخدّرات التي يقوم بها بعض المجرمين، في حال قبولهم بالتجسّس على المواطنين العرب وتقديم معلومات أمنية لـ"الشاباك".
والخيار الثالث هو تحويل حياة الفلسطيني إلى جحيم لدفعه للتفكير بالهجرة وهو الهدف الأكبر والرئيسي من خلال هذه السياسة، وهي سياسة الاحتلال منذ نشأة الكيان وتطبق بالضفة الغربية فضلًا عن القوانين التي تسن ضد الفلسطيني وهدم العقارات الفلسطينية بالداخل.
تنامي الجريمة استخدمت ذريعة من قبل رئيس قائمة الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية، منصور عباس، لدخول حكومة بينيت لابيد، لكن دون نتيجة بل على النقيض ارتفعت معدلات الجريمة، والآن يعرض عباس على نتنياهو الانضمام لحكومته مقابل تولي ملف الجريمة في المجتمع الفلسطيني، لكن التيار اليميني الإسرائيلي لا يعترف بالفلسطيني ولا يريد تواجده السياسي، والوجود الفلسطيني بالكنيست أقرب لديكور، وانضمام عباس لحكومة بينت كان استثنائيًا نظرًا لوضع الائتلاف الحاكم جينه ووجود حاجة ملحة لهذا التحالف.
سياسة نشر الجريمة في المجتمع الفلسطيني بالداخل تتكامل مع سياسة الاحتلال في الضفة الغربية والتي ترمي لتهويد الدولة على المستوى الديموغرافي وإفراغ فلسطين التاريخية من أهلها، ففي الوقت الذي ينفذ الاحتلال عمليات القتل والتضييق في الضفة، تنفذ العصابات هذه المهمة في الداخل
Copyright ©2024