الفيفا تطبق معايير مزدوجة في التعامل مع إسرائيل

الفيفا تطبق معايير مزدوجة في التعامل مع إسرائيل

بقلم: فضلي زون

أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، أمس الأربعاء، 29 مارس 2023، رسميا عن إلغاء استضافة إندونيسيا لكأس العالم لكرة القدم تحت سن 20 سنة في عام 2023. وأوضحت الفيفا في بيانه المكتوب أن قرار الإلغاء صدر نظرا إلى "الوضع الحالي" في إندونيسيا . و"الوضع الحالي" الذي أشار إليه "الفيفا" غير واضح وكأنها تخفي ما تعنيه بهذه العبارة. ومع ذلك، يحتمل أن يكون السبب وراء القرار هو الرفض المحموم من قبل تيارات مختلفة للوصول المزمع للمنتخب الإسرائيلي تحت سن 20 سنة إلى إندونيسيا.

كمنظمة كرة قدم عالمية، ينبغي أن تكون الفيفا قادرة على استيعاب مصالح جميع البلدان، بما في ذلك فهم الواقع أنه بالنسبة لعدد من البلدان، وخاصة بعض الدول الإسلامية، فإن إسرائيل ليست مجرد قضية رياضية، ولكنها قضية سياسية وإنسانية كبيرة. وبالتالي، لا ينبغي للفيفا أن تضع أو تفرض قواعدها في مكانة أعلى من سيادة القانون، حتى دستور لأي دولة. إن الدفاع عن مصالح إسرائيل، مع تجاهل تطلعات الدول الأخرى التي لديها خط سياسي حازم تجاه إسرائيل، جعل الفيفا تمارس معايير مزدوجة في سياسة كرة القدم.

ولسوء الحظ، فقد طبقت الفيفا حتى الآن معايير مزدوجة في سياسة كرة القدم. وهنالك على الأقل سببان يدفعنا للفهم بأن الفيفا طبقت المعايير المزدوجية بالفعل.

أولا، الفيفا لا تلتزم بقاعدة الحظر المفروض على تسييس كرة القدم، وذلك وعندما فرضت الفيفا و UEFA عقوبات تمنع المنتخب والأندية الروسية من المشاركة في جميع المسابقات التي أجريت تحت رعايتهما، كما تم حظر الأندية والمنتخبات البيلاروسية من لعب المباريات في بلادها كشكل من أشكال العقوبة وذلك على خلفية دعمها لروسيا في حرب أوكرانيا. هل يصح أن يقال بأن الحظر غير سياسي؟

وعندما نددت الفيفا بصوت عالٍ هجوم روسيا على أوكرانيا، لكنه في نفس الوقت غضت الطرف عن سياسة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. هل اختيار الموقف ليس سياسيًا؟

إذن، منذ متى يمكن فصل كرة القدم عن السياسة؟ من الواضح أن لدى  الفيفا سياسة وسياسة "الفيفا" الانتقائية حقيقة واضحة للغاية.

شئنا أم أبينا، لا يمكن فصل كرة القدم عن السياسة. إن هذه الرياضة التي تقدر على جمع الملايين من الناس والمليارات من المتفرجين، يصح أن تصبح بالفعل منصة سياسية استراتيجية. وبالتالي فإن القاعدة التي تطالب بعدم خلط الرياضة بالسياسة هي قاعدة غير معقولة. خاصة، لأن الفيفا نفسها أثبتت عدم الالتزام بها.

ثانيًا، تطالب الفيفا جميع الدول بمعاملة الرياضيين الإسرائيليين بإنصاف، على الرغم من أن إسرائيل نفسها لم تعامل الرياضيين وعالم الرياضة الفلسطيني بإنصاف. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الدولية "السائدة" لم تكشف عنها كثيرًا، إلا أنه ليس سراً أن الجيش الإسرائيلي جعل الرياضة والرياضيين الفلسطينيين هدفاً لهجماتهم منذ فترة طويلة.

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، على سبيل المثال، منع الجيش الإسرائيلي جميع لاعبي كرة القدم الفلسطينيين من المشاركة في المباراة النهائية لمرحلة المجموعات المؤهلة للاتحاد الآسيوي لكرة القدم (AFC). كما لا ننسى عندما لم تسمح إسرائيل للاعبي المنتخب والمسؤولين الفلسطينيين بالمشاركة في مباراة تصفيات كأس العالم 2010 ضد سنغافورة.

ثم أعاقت تصرفات إسرائيل الشريرة في عام 2007 فرصة المنتخب الفلسطيني في المونديال. ولسوء الحظ، بدلاً من الدفاع عن الرياضي الفلسطيني وإدانة إسرائيل، فقد قررت الفيفا منح سنغافورة فوزًا تلقائيًا: 3-0، مع أنه نعلم أن  في آخر لقاء تصفيات كأس العالم 2022، تمكن المنتخب الفلسطيني من هزيمة سنغافورة بفارق ساحق 4-0.

تعرضت الملاعب الفلسطينية للقصف خلال حرب إسرائيل الوحشية على غزة. ولهذا السبب، قام المنتخب الفلسطيني على مدى سنوات بإجراء مباريات على أرضه في الأردن أو قطر فقط، فيما يقع معسكرهم التدريبي في الإسماعيلية بمصر.

لا تستهدف الهجمات المميتة التي يشنها الجيش الإسرائيلي المنشآت الرياضية فحسب، بل تستهدف أيضًا الرياضيين الفلسطينيين. ففي كانون الثاني/يناير 2009، على سبيل المثال، قُتل ثلاثة لاعبين فلسطينيين، وهم: أيمن الكرد، وشادي السباخ، ووجيه مشتهى، في هجوم إسرائيلي على قطاع غزة. وبعد شهرين فقط، قُتل ساجي درويش، لاعب شاب يبلغ من العمر 18 عامًا، برصاص قناص إسرائيلي بالقرب من رام الله.

وفي تموز/يوليو 2009، اُعتقل محمود سرسك لاعب المنتخب الفلسطيني وعُذب من قبل الجيش الإسرائيلي لمدة ثلاث سنوات. على الرغم من إطلاق سراحه في نهاية المطاف، إلا أن المشاكل الصحية الدائمة الناجمة عن التعذيب الذي تعرض له أثناء الاحتجاز في إسرائيل تسببت في إنهاء مسيرته الرياضية.

أصبح اعتقال وتعذيب وقتل لاعبي كرة القدم الفلسطينيين من الأخبار الروتينية في فلسطين حيث تعمد الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار على اللاعبين الفلسطينيين الشباب في أرجلهم في مناسبات مختلفة، لا سيما أثناء عبورهم نقاط التفتيش العسكرية.

وفي عام 2019 هاجم الجيش الإسرائيلي ملعب الخدر في بيت لحم بالغاز المسيل للدموع، وهو ما يشبه مأساة كانجوروهان التي حدثت في مدينة مالانغ (إندونيسيا)، العام الماضي. ومؤخرا، في 22 كانون الأول (ديسمبر) 2022، قتل الجيش الإسرائيلي بالرصاص أحمد عاطف دراغمة، لاعب كرة القدم من نادي الثقفي، وجرح 24 آخرين، في هجوم وعمل وحشي شنَّهما في مدينة نابلس بالضفة الغربية.

لذا، لا يُعقل إذا قام الفيفا بالدفاع عن الرياضيين الإسرائيليين بحجة "اللعب النظيف". كما يجب تحميل الرياضيين الإسرائيليين المسؤولية الأخلاقية عن الأعمال الوحشية وغير العادلة التي ترتكبها حكومتهم ضد الرياضيين وعالم الرياضة الفلسطينية.

هذان السببان كافيان لإظهار أن سياسة "الفيفا" حتى الآن غير عادلة وأنها طبقت معايير مزدوجة في "سياسة" كرة القدم.

فقد ألحق قرار إلغاء إستضافة إندونيسيا لكأس العالم تحت سن 20 سنة 2023 ضررا بعالم كرة القدم في البلاد على المدى القصير. لكنه، مع قرار الإلغاء، نحن كأمة لم نفقد ماء الوجه.

إذا كان لا يزال يتعين علينا قبول وصول الرياضيين الإسرائيليين، فقد قمنا بالفعل بإهانة دستورنا وخط السياسة الخارجية لبلادنا بموجب قواعد الفيفا. وفي الواقع، على مدار تاريخ هذه الجمهورية، فقد استضفنا العديد من الأحداث الرياضية الدولية. لكن هذا الموقع لم يجعلنا أبدًا نفقد مبادئنا ويقلل من الأخلاق التي نتمسك بها.

لا تنس أن إندونيسيا هي الدولة الأولى في العالم التي قاطعت مشاركة إسرائيل في الأحداث الرياضية. بصفتنا الدولة المضيفة لدورة الألعاب الآسيوية الرابعة عام 1962، رفضنا في ذلك الوقت الوفد الإسرائيلي. على الرغم من أن قرار الرفض تسبب في تعليقنا من اللجنة الأولمبية الدولية  (IOC)، إلا أن هذه السابقة تلقت مؤخرًا دعمًا رسميًا من AGF (اتحاد الألعاب الآسيوية). وقبل دورة الألعاب الآسيوية لعام 1978 في بانكوك، عاقبت AGF إسرائيل رسميا وقاطعت الوفد الإسرائيلي لأسباب أمنية.

وفي عام 1981، قررت AGF طرد إسرائيل من OCA (المجلس الأولمبي الآسيوي). ثم، في عام 1983، جاء دور الاتحاد الدولي لألعاب القوى (IAAF) لدعم طرد إسرائيل من دورة الألعاب الآسيوية. لذا، إذا فتحنا أنفسنا اليوم أمام المنتخب الإسرائيلي، فسيكون ذلك بمثابة نكسة كبيرة.

استخدمت إسرائيل الرياضة، بما في ذلك كرة القدم، كأداة دبلوماسية لتبييض الممارسات التمييزية وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ارتكبوها ضد الشعب الفلسطيني. لذا، إذا تم قبول الرياضيين الإسرائيليين في إندونيسيا، وهي أكبر دولة إسلامية في العالم، فسيكون هذا انتصارًا دبلوماسيًا لهم، وفي الوقت نفسه خسارة كبيرة لنا.

منذ تأسيسها عام 1948، نفذت إسرائيل عمليات استيلاء واسعة وقاسية على الأراضي الفلسطينية. يعتبر تجريد الفلسطينيين من منازلهم وتهجيرهم وذبحهم ركيزة مهمة لحكومة الفصل العنصري في إسرائيل. إنه شكل من أشكال الجريمة ضد الإنسانية.

وفي عام 2022، صرحت منظمة العفو الدولية بوجوب محاسبة السلطات الإسرائيلية على ارتكاب جرائم الفصل العنصري ضد الفلسطينيين. وقد أوضح تحقيق منظمة العفو الدولية بالتفصيل كيفية قيام إسرائيل بفرض القمع ضد الشعب الفلسطيني. وفي التقرير المؤلف من 182 صفحة بعنوان "الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: النظام القاسي للسيطرة والجريمة ضد الإنسانية"، تم توثيق كامل كيف أن سياسات الاستيلاء على الأراضي والممتلكات على نطاق واسع، وكذلك عمليات القتل خارج نطاق القانون التي نفذتها الحكومة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.

بناءً على هذه النتائج، دعت منظمة العفو الدولية المحكمة الجنائية الدولية إلى النظر في جريمة الفصل العنصري هذه، كما دعت جميع الدول إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية لتقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري إلى العدالة.

لذلك، بالنسبة لإندونيسيا، فإن مسألة تصاريح دخول لاعبي كرة القدم الإسرائيليين ليست مجرد قضية رياضة، بل قضية مبدأ. لا يوجد حل آخر يمكن أن يقبله الفيفا، مما تسبب في خسارة إندونيسيا في النهاية لمكانتها كمضيف. وهذا يدل على أن الفيفا لا تزال غير خالية من المعايير المزدوجة، حيث تدافع  عن مصالح إسرائيل فقط، لكنه يتجاهل مواقف وآراء الدول الأخرى حول تلك الدولة المستعمرة.

 

فضلي زون: عضو في اللجنة الأولى لدى مجلس النواب الإندونيسي (البرلمان)، نائب رئيس المجلس التنفيذي لحزب حركة إندونيسيا العظمى (غريندرا)، نائب رئيس رابطة برلمانيون لأجل القدس

جاكرتا، 30 مارس 202

اخترنا لكم

تغذية العنف الفلسطيني كسياسية إسرائيلية للتهجير

تغذية العنف الفلسطيني كسياسية إسرائيلية للتهجير

محمد مكرم بلعاوي المدير العام لرابطة برلمانيون لأجل القدس   في 8 يونيو الماضي، فُجع فلسطينيو الداخل المحتل عام 1948، بجريمة مروعة في الناصرة راح ضحيّتها خمسة مواطنين بينهم أطفال، وهي ليست الجريمة الأولى التي... اقرأ المزيد